لقد جعل الله البيوت سكنًا يأوي إليها أهلُها، تطمئنُّ فيها النفوسُ, وتأمنُ فيها الحرماتُ، وتسترُ فيها الأعراض، ويتربَّى في كنفها الأجيال. إن البيت المسلم هو المدرسة الأولى التي يتخرج منها الأعضاءُ الفاعلون في المجتمع، وقد سعى الإسلام سعيًا حثيثًا لإصلاح الأسر والبيوت، وبدأ ذلك بالأسس التي يتكوَّن منها البيت المسلم، فالبيت الصالح هو النواة الحقيقة لإقامة مجتمع قوي متماسك، والله تعالى يريد من البيوت أن تكون ديارَ خيرٍ وفضيلة وإحسانٍ، من هنا جاء الاهتمام العظيم في الإسلام بإصلاح البيوت؛ لأن الأسرة هي الدِّعامة الأساس في صرح الأمة، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع، فعلى قدر ما تكون اللبنة قويةً يكون البناء راسخًا منيعًا، وكلما كانت ضعيفة كان البناء واهيًا، آيلاً للانهيار والتصدع.
حول هذا الموضوع يتحدث فضيلة الداعية الشيخ محمد بن عبد الله النونان عن بعض السمات الأساسية التي تجعل البيت المسلم بيتا نموذجيا متميزا:
أولا يجب أن يكون البيت قائم على التقوى، فالبيت الذي يقوم على الالتزام بشرع الله وتطبيق أحكامه، هو بيت قائم على أساس متين يدعم تماسك هذا البنيان وثباته في وجه التحديات التي قد تعصف بكثير من البيوت، يقول المولى عزل وجل (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) التوبة 109، كذلك ينبغي أن يقوم على التعاون في الخير بين كل أفراده انطلاقا من قوله تعالى ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ المائدة2، بيت تخرج منه النفقات والصدقات ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِلْسَائِلِ وَالْمَحْرُوم﴾ المعارج 24-25، بيت قائم على الاقتصاد والبعد عن التبذير والإسراف ﴿وَكُلُوْا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفوا﴾ الأعراف31.
ويضيف الشيخ النونان أن البيت المتميز تجده دائما بيت يفيض بمعان المودة والرحمة، وقائم على التغافر والتسامح واحتمال الأخطاء، فكل إنسان منا عرضه للزلل، لذا ينبغي أن نتعلم أن نغُض الطرف عن الهفوات والهنات، وأن نتجاوز عن الإساءة ونقبل العذر.
البيت المتميز أيضا يجب أن يقوم على الثقة المتبادلة بين أفراد الأسرة، والابتعاد عن الشك والريبة، فلا يليق أن تنتشر بين أفراد البيت المسلم الشكوك وسوء الظن، فإذا وُجدت الثقة بين الزوجين، وحرص كل منهما أن يربي الأبناء على هذه الصفة الطيبة، فلن يضار أحد منهم بإذن الله .
ويؤكد فضيلة الشيخ أنه لا يجوز ولا يصح أبدا أن يكون هناك تفضيل بعض الأبناء على بعض في المحبة والنفقة، فهذه من أخلاق الجاهلية، وهي السبب الأول في الشحناء والضغينة بين الأشقاء، وإنما ينبغي أن تسود المساواة داخل البيت اقتداءا بأخلاق النبي وسلفه الصالح.
إن البيت الطاهر الخالي من المنكرات، العامر بذكر الله وتلاوة القرآن، وصلاة النوافل – يقول الشيخ - هو بيت يكثٌر خيرُه، ويقل شره، بيت تملأه البركة، ويغشاه الأمن والطمأنينة من كل جانب، فاحرص أن تجعل بيتك بيتٌ يُكرَم فيه الضيف، ويُحسَن فيه إلى الأيتام، ويُعامَل فيه الخدم برفق ولين، ولا يُؤذَى فيه جار ولا ذو رحم، ولا يرد عنه سائل أو محتاج.